تجارب

عندما فقدت عزيزًا

لا اريد أن افتتح جروح الماضي و الجلوس باكية الآن ..
و لكن أود التحدث عن تجربة مريرة حدثت معي في حياتي ..
فقدت شخص كان عزيز علي ، شخص كان فردًا من أسرتي .. شخص كنت أراه طيلة الإثنين و عشرين سنة من حياتي و قبل ثلاث سنوات من الآن …


ذاك الشخص هو جدي – رحمه الله –
كنا في بداية الأمر نعيش معًا في منزل واحد ، ثم صار لأبي منزله الخاص و صرنا في منزلنا ، و لكن منزل جدي و منزلنا لا تفصلنا إلا ساحة أشجار صغيرة أو يمكن القول حديقة صغيرة ، أي كأنهما منزل واحد في قسمين .
توفي جدي قبل ثلاث سنوات من الآن ..كانت ذكراه الثالثة قبل شهرين تقريبًا ، أنا بخير الآن ، كل شيء بخير كما كان تقريبًا ، ما زالت حياتنا تسير على وتيرتها المعتادة ..
القصة ، أن جدي قعد مريضًا لبضع أشهر ، كان غير قادر على المشي و الذهاب و الإياب ، ثم في آخر شهرين ازداد مرضه بشكل أكبر ، و في ليلة خميس ما من شهر يناير 2016 أخبرتني أمي بأن انزل إلى منزل جدي لرؤيته ، قالت لي اذهبي فنحن لا نعلم ما قد يحصل غدًا ، كنت اريد تأجيل الأمر ليوم الجمعة ، فما كان ظني أن تلك الليلة هي الليلة الأخيرة التي يبقى فيها جدي حيًا على وجه هذه الأرض ..على وجه هذه الفانية ..
يومها نزلت ، رأيت أبي و عمي يطعمان الطعام لجدي ، و كان جدي ممدًا على الفراش و فمه مفتوح يتنفس من خلاله و كانت تبدو ملامحه غريبة ..- و هنا و أنا اكتب لكم فاضت عيناي مجددًا من الدموع- أو بالأحرى كانت تبدو ملامح شخص يحتضر و يوشك الموت على زيارته .. لكنني لم أميز الأمر تمامًا فقد كنت أراه مريضًا للغاية بشكل كبير فحسب !

1395227_667184696649160_2047320116_n
لقد كنت جاهلة فلم يمر علي شخص يحتضر أمام عيني أبدًا ! جئت ليلتها لأراه .. قال له أبي ، يابا هذه سارة اجت عشان تسلم عليك ، جئت ليلتها و امسكت يده سلمت عليه ..
لم أكن أعلم أن تلك آخر مرة امسك بيد جدي وقتها … – و هنا يزداد الألم مرارة و أنا اكتب –
في اليوم التالي .. فجرًا ، فاضت روحه ، مات جدي … و أعلنا وفاته للناس بالطرق التي اتيحت لنا حينها ..
كتبت بيدي نعي جدي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ..
شعرت بالفقد الحقيقي عندما جلبو لنا جسد جدي الميت بعدما غسلوه ، جلبوه لنا بالنعش الذي كانوا يحملونه عليه ..
فتح أبي القماش عن وجه جدي ، رأيت ذلك الوجه الذي فارقنا ، تحسست وجه ، رأيت القطن معبأ في فمه..
تحسست فراقه شيئًا فشيئًا ذلك اليوم ، حتى بات ألم الفراق عميقًا ..
جدي رحل … لم استوعب الأمر بسرعة ..و لكن عندما استوعبته بكيت بحرقة !
اعتصر قلبي حزنًا و ألمًا وقتها ، و لم تكف عيناي عن ذرف الدموع ، وقتها لم أبك بهذا الشكل في حياتي إلا وقت موت ابن جيراني الذي كان صديق طفولة عندما كان عمره 15 عامًا و لم يدخل الصف العاشر بعد !
تلك كانت المرتين التي بكيت فيهما بحرقة و لمدة طويلة بهذا الشكل !
التجربة الأولى كانت مزعجة و مخيفة للغاية ! كنت اكره سماع اسم المتوفي من شدة ما كان الحال مؤلمًا ..
و التجربة الثانية كنت قد تأقلمت قليلًا لكن الألم واحد في النهاية ..
مرت الأيام ، و الشهور و السنوات ..أنا بخير منذ مدة طويلة ، لم اترك للألم مجال للسيطرة طوال الوقت فقد ركزت على حياتي ، من مات فقد مات و الحياة تبقى للأحياء من أجل أن نستمر
هم السابقون و نحن اللاحقون .. فلماذا نأسف كثيرًا ؟

رأيت صديقتي قد فقدت عزيزًا و ها هي الآن تمر بنفس رحلة الألم التي مررت بها ، حاولت التخفيف عنها و لكن ربما هذا قد لا يجدي .. و ربما يجدي ؟
لكن ما أعلمه ، أن صديقتي تخوض في الحياة الآن و تنضج ، هي الآن تمر بالنار .. بنار الألم .. نار الحياة ..من أجل أن تصل إلى النضج ..
صديقتي هوني عليك ، علينا أن نتقبل ذلك بالرغم من الألم ، بالرغم من الدموع ، بالرغم من كل شيء صعب ..

images
لكن الله أكرمنا بنعمة النسيان .. و الموت يبدأ كبيرًا ثم يهون ..
لن أقول لك انسي كل شيء الآن ، لن ألح عليك ، هذه شيء تمرين به الآن ، و رويدًا رويدًا ستعودين ..
ستعودين أقوى إن شاء الله .

رحم الله أمواتنا و أموات المسلمين أجمع ، أدرك أننا مهما تناسينا يبقى الأمر صعبًا ، و لكنني أدرك أننا ننضج و يصبح الصعب أهون !

رأي واحد حول “عندما فقدت عزيزًا

  1. لم اكتب كل ما يجول بخاطري ، و لم اكتب الأشياء الأخرى التي تسببت بالألم حقًا ، ربما لأن الأمر مر منذ سنوات فقد خففت الصدمة ، لكن جدي كان يعني لي الكثير ، و الآن ..
    كلمة جد افتقدها بحق ، كما افتقد كلمة جدة .. الأمر يعني لي العائلة ، و عندما تفقد عائلتك ، أي ألم يجتاحك في تلك اللحظة ؟
    تلك هي المشاعر التي راودتني حينها و التي لا تزال تراودني كلما ذكرت الأمر حتى اللحظة !!
    كتبت هذا التعليق الصغير ، و لكن دموعي لا يمكنها نسيان تلك الحادثة البتة ..
    و بالرغم من ذلك ، ادرك جيدًا أنني بعد قليل سأتحسن و سأذهب للنوم و غدًا صباحًا سأركز على مواصلة تحقيق طموحاتي الشبابية في حياتي ..
    علي أن اعيش ، لأنه يتوجب علي ذلك ، و لأن جدي لن يسعده أن ابقي حياتي ساكنة بلا حراك ..
    علي أن اعيش ، ادعو لجدي كلما تذكرته – رحمه الله –
    علي أن اعيش ، لأن هذه الدنيا رحلة قصيرة لحياة حقيقية آتية يومًا إن شاء الله
    علي أن اقدم لحياتي ( الحياة التي تحدث عنها الله في القرآن) .
    و هكذا سأستمر .

    إعجاب

أضف تعليق